ألمانيا تواجه أزمة اقتصادية متفاقمة

جريدة البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

“صندوق النقد: إذا لم تتحسن الإنتاجية فإن النمو سيستقر عند 0.7% “

في التاسع من أكتوبر، صرح وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك بلهجة هادئة، أن الوضع الاقتصادي في البلاد “غير مرضٍ”، وذلك عقب تعديل التوقعات الرسمية لنمو الاقتصاد في عام 2024 من نمو بنسبة 0.3% إلى انكماش بنسبة 0.2%.

هذا التعديل يأتي بعد تراجع في الناتج الاقتصادي بنسبة 0.3% العام الماضي، مما يشير إلى أن ألمانيا ستشهد أول ركود يمتد لعامين منذ أكثر من عقدين.

منذ بداية جائحة كورونا، لم يحقق أكبر اقتصاد في أوروبا تقدمًا ملحوظًا، إذ بقي خلف الاقتصادات الكبرى الأخرى، بحسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.

وأشارت إيزابيل شنابل، من البنك المركزي الأوروبي، إلى أن نمو منطقة اليورو باستثناء ألمانيا كان قويًا منذ 2021 وأسرع من العديد من الاقتصادات الكبيرة.

ولكن الحديث عن اقتصاد منطقة اليورو بدون ألمانيا يشبه الحديث عن الاقتصاد الأمريكي بدون ولايتي كاليفورنيا وتكساس، إذ كانت ألمانيا تمثل محركًا للنمو الأوروبي لكنها أصبحت الآن عبئًا على هذا النمو.

التحديات التي تواجه الاقتصاد الألماني منذ عام 2021 تتفاقم، مع ارتفاع أسعار الطاقة إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وفائض الإنتاج الصناعي في الصين الذي أدى إلى حدوث اضطرابات في الأسواق العالمية.

ورغم أن البعض قد يميل إلى إلقاء اللوم على العوامل الخارجية، إلا أن المشاكل الحقيقية لألمانيا أعمق بكثير وتنبع من داخلها.

إضافة إلى ذلك، تعاني الحكومة الائتلافية الحالية من انقسامات تعرقل اتخاذ قرارات سياسية فعالة.

على الصعيد الصناعي، شهدت الأعوام الأخيرة تحديات كبيرة، حيث تأثرت بشدة الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة، مثل الصناعات الكيميائية وصناعة المعادن والورق.

وهذه القطاعات تمثل 16% فقط من الناتج الصناعي، لكنها تستهلك 80% من الطاقة الصناعية.

وقد اضطرت العديد من الشركات إلى تعليق إنتاجها بشكل مؤقت لمواجهة ارتفاع تكاليف الطاقة.

كما أن التغيرات في الطلب العالمي زادت من الضغوط على الشركات الألمانية.

ووفقًا لما ذكرته شركة “بيكتيت ويلث مانجمنت”، فإن العلاقة الاقتصادية بين ألمانيا والصين تغيرت بشكل ملحوظ.

وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كان البلدان يتبادلان المنتجات بشكل تكاملي؛ حيث كانت ألمانيا تصدر السيارات والمواد الكيميائية والآلات إلى الصين، بينما تستورد منها السلع الاستهلاكية والمكونات الإلكترونية.

لكن الآن أصبحت الصين قادرة على إنتاج ما كانت تستورده سابقًا، وأصبحت منافسًا رئيسيًا في الأسواق العالمية، وخاصة في قطاع السيارات.

ومع ذلك، فإن التشاؤم بشأن الصناعة الألمانية قد يكون مبالغًا فيه، فرغم تراجع الإنتاج الصناعي منذ عام 2020، ظلت القيمة الإجمالية المضافة مستقرة، واستطاعت العديد من الشركات التحول إلى إنتاج سلع ذات قيمة مضافة أعلى لتعويض فقدان حصتها السوقية.

كما أن التجارة الخارجية استمرت في تقديم مساهمة إيجابية للنمو الاقتصادي في ظل انكماش الاقتصاد.

وبالنسبة للأسر، فإن ارتفاع الدخل الحقيقي الناتج عن انخفاض التضخم لم يترجم بعد إلى زيادة في الإنفاق الاستهلاكي، لكن من المتوقع أن يبدأ هذا التأثير في الظهور.

ويتوقع المراقبون أن يشهد الاقتصاد الألماني نموًا العام المقبل.

فقد وضعت الحكومة توقعات لنمو بنسبة 1.1% في عام 2025 و1.6% في عام 2026، مع افتراض أن الاستهلاك الخاص سيبدأ في الانتعاش.

ويعول الوزراء على سياساتهم المحفزة للنمو لدفع هذا الانتعاش، على الرغم من وجود بعض الشكوك.

إلا أن هذا الانتعاش المتوقع لن يعالج المشاكل الهيكلية العميقة التي تعاني منها ألمانيا، إذ أن ضعف الاقتصاد الألماني يعود إلى ما قبل الأزمات الجيوسياسية الأخيرة.

وكما أشارت إيزابيل شنابل مؤخرًا، فإن الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في نهاية عام 2021 كان أعلى بنسبة 1% فقط مقارنة بأربعة أعوام مضت، بينما حققت بقية دول منطقة اليورو نموًا بنسبة 5%، والولايات المتحدة أكثر من 10%.

في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كانت ألمانيا تتمتع بميزة تنافسية ضد بقية دول أوروبا، ففي بداية القرن، كانت ألمانيا تعاني من مشاكل إعادة التوحيد، وكان مستوى الأسعار فيها أعلى من بقية دول منطقة اليورو، ثم، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وضعت إصلاحات هارتز سقفاً للتكاليف من خلال إضعاف قوة التفاوض للعمال. وفي نفس الوقت، أدى النمو المدعوم بالديون في جنوب أوروبا إلى ارتفاع مستويات الأسعار في منطقة اليورو ككل.

وبمرور الوقت، بدأت هذه الميزة بدأت تتآكل تدريجيًا بعد أزمة الديون في أوائل العقد، ومع الإصلاحات الهيكلية التي طبقتها الدول الأوروبية الطرفية، بدأت تكاليف الأجور في ألمانيا ترتفع بسرعة منذ عام 2015.

وفي عام 2019، تقلص الفارق في مستوى الأسعار بين ألمانيا وبقية منطقة اليورو، وقد أدى تأثير أزمة الطاقة، مع اعتماد ألمانيا الكبير على الغاز الروسي، إلى دفع مستوى الأسعار في البلاد إلى أعلى.

لأول مرة منذ أكثر من عشرين عامًا، فقدت ألمانيا ميزة التنافس في تكاليف الإنتاج مقارنة بدول منطقة اليورو.

وفي الوقت الذي تكافح فيه ألمانيا لاستعادة قدرتها التنافسية، تواجه أيضًا تحديات ديموغرافية كبيرة. ففي الأعوام الأخيرة، ساهمت الهجرة المرتفعة في التخفيف من تأثير شيخوخة السكان، إلا أن انخفاض أعداد المهاجرين في الآونة الأخيرة ترك الشركات تعاني من نقص في القوى العاملة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش عدد السكان في سن العمل في ألمانيا بنسبة 0.5% سنوياً على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، وهو أكبر تراجع بين جميع الاقتصادات الكبرى.

ويشير مسؤولون في صندوق النقد الدولي إلى أنه ما لم تتحسن الإنتاجية، فإن النمو الاقتصادي لألمانيا سيستقر عند 0.7% سنويًا، وهو نصف معدل ما قبل الجائحة.

يمكن أن يسهم الإنفاق الحكومي في دعم الاقتصاد، لكن الوزراء مقيدون بالسياسات المالية التي وضعوها بأنفسهم.

وقد انخفض صافي الاستثمار العام السنوي من 1% من الناتج المحلي الإجمالي في أوائل التسعينيات إلى الصفر في الوقت الحالي.

ورغم تزايد الانتقادات لسياسة “كبح الديون”، التي تضع حدًا للعجز الهيكلي الفيدرالي عند 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، إلا أن قلة من المحللين يتوقعون حدوث أي تغيير في هذه السياسات قبل الانتخابات الفيدرالية المقبلة.

في الختام، يعتبر الركود الاقتصادي في ألمانيا مؤلمًا للألمان أنفسهم ولمنطقة اليورو بأكملها.

ولا يُتوقع أن يعالج الانتعاش الاقتصادي المرتقب العام المقبل، المدفوع بانخفاض التضخم وتكاليف الطاقة، المشاكل الهيكلية العميقة. إذ كانت علامات الإجهاد الاقتصادي واضحة في ألمانيا قبل الجائحة، وحتى قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، وستستمر التحديات في إعاقة الاقتصاد الألماني لبعض الوقت.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق